الاثنين، 7 مارس 2011

رسائل إلى الأهل

رسائل إلى الأهل (1)

الشوق إلى الأهل

الشوق في قلبي إليكم شديد، تخرج علاماته من الطابق السادس من هذه العمارة في مدينة موسكو، وبالتحديد من الشقة الثانية وستمائة.
حاولت كتمانه ولكنه أقوى من الإنسان، أمسكت بالقلم فإذا بالقلب يكتب لاشعورياً:
طال البعد عنكم فأحسست بأنني مشرد بلا أهل، في مدينة واسعة واسعة، إنسان من بين خمسة عشر مليوناً، له قلب يفكر في الأهل والأحباب، يعلم أنه لم يتغرب إلا لأن الدول العربية كلها خذلته، تغرب ليتعلم.
ما أصعب الحياة والغربة، موسكو تأثرت بغربة إنسان، أحس بأنها تبكي، جمالها حزين عميق، طابعها قديم.
هذه الأيام بداية الشتاء، الأشجار عارية، والبحيرة القريبة من السكن مليئة بالمياه، ولكنها البداية فقط، ستتساقط الثلوج بعد أيام، تصبح موسكو بيضاء ناصعة، وعندما تذوب الثلوج يقترب لقاؤكم، ويذوب عند رؤيتكم هذا الشوق المجنون.
30/11/1991م موسكو

بسم الله الرحمن الرحيم

رسائل إلى الأهل (2)

نداءٌ للجميع

إلى البوتقة العائلية التي انصهرت فيها معظم عاداتنا وأفكارنا..
إلى الجميع هناك... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة وبعد:
(1)
كتلة إنسانية خرجت من الصباح الباكر – كعادتها – تدوس على الثلج الذي بدأ يذوب الآن... وعلامات نقطية ترتسم خلف هذه الكتلة ... لحظات قليلة وتقطع الشارع لتصل إلى بوابة المعهد التحضيري الجانبية ... المصعد لم ينزل بعد.. دقائق من الانتظار مرت.. بعدها احتلت الكتلة حيزاً من الفراغ في الطابق الرابع... دهاليز المعهد كانت خبيثة في البداية ... أما الآن فلا ... القاعة شبه فارغة عدا أنّ خمس كتل لحمية من أصل خمسة عشر تجلس على المقاعد.. العجوز الطيبة تشرح المحاضرة.. وصوت إنساني ينساب من الباب نصف المغلق مقاطعاً بالروسية إرداف المحاضرة: "هل يمكنني الدخول" أجابت العجوز: "نعم".. دخل إلى القاعة وقدّمَ إلى الكتلة المقصودة طرداً بنياً... حتماً بأنّ الكتلة فرحةٌ الآن وتخوض عالم الذكريات... العجوز أخفت فرحها وهمست "من الوطن" الكتلة هزت رأسها بالموافقة وهي تنظر إلى الطرد.
(2)
ربما عرفتم أنّ الكتلة هي أنا.. والطرد البني هو الذي احتوى رسالتكم مع مجلتي المحبوبة .. ربّما لمستم بأنني فرحٌ جداً – لا لتلقي المجلة- ولكن لأنها أول شيء يصلني منكم وكانت طرداً لا رسالة.. واليوم أيضاً وصلتني رسالتين معاً من الأصدقاء... فازددت بهجةً ونضارةً لوصول همزات الوصل وحاويات المشاعر.
(3)
أخبركم أنني أعشق ماهية الرسالة، وأنا الآن أكثر حباً للرسالة... ربما أتكلم معكم هاتفياً وهذا شيءٌ جميلٌ جداً... ولكن في الرسالة يصب الإنسان فيض الأفكار في ترتيبٍ معقول... الرسالة جسد حي إذا احتوي على روح العواطف التي يبثها الإنسان الصادق المشاعر... وجسدٌ ميت حقير إذا كان الإنسان مزيف المشاعر.
(4)
كنت في قطر أفكر في الأصدقاء كثيراً... وطرحت السؤال الآتي: كيف يوثق الإنسان علاقته بالأحباب؟؟ فكان الجواب "الرسالة" .. كنت أبعث رسائل لصديقي الذي يجلس بجواري في الصف.. ولصديقي الآخر الذي يبعد عن البيت أمتاراً.. وإن كانوا يحتفظون بالرسائل حتى الآن - كما احتفظ أنا بها- فسيعلمون كم هي ثمينةٌ بالعواطف الجياشة الصادقة.
(5)
في تلك الأيام الغابرة كنت أود أن أبعث لكم رسالة.. رسالةً توثق العلاقة بيننا أكثر... رسالةً تفتح باب الحديث إلى الأبد... كنت أفكر.. كيف السبيل إلى ذلك؟؟ أأقدمها يداً بيد... أم أدسها بين الكتب أم أعلقها على جدار الحائط؟؟؟ ولكنّ هذه الرسالة أبت إلا أن تكون أسطورة ... لكنّي الآن حطمت هذه الأسطورة.. وربما إلى الأبد.
4/رمضان/1412هـ - 7/3/1992م – موسكو

بسم الله الرحمن الرحيم
رسائل إلى الأهل (3)

رسالة إلى الوالد الفاضل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إلى الوالد العزيز ... إلى الأب الحبيب...
إليك أيها الإنسان الفاضل ألف تحية وسلام

أبتاه:ينطرح السؤال المعهود ..كيف حالك؟؟ وكيف أخبارك؟؟
أبتاه: إنني لا أسمع عنك الكثير وإنني في شوقٍ شديدٍ إليك وإنها الحقيقة التي أبوح بها لك عبر هذه الورقة... عشقت حديثك الديني ... وأُصَرّحُ لك بأنني أحبك في المسجد أضعاف حبي لك في المنزل.. وإني لأحبك في الله تعالى.
أبتاه: قبل قليلٍ أنهينا صلاة الفجر جماعةً في المصلى الذي أقمناه في السكن الجامعي.. وتنساب الذكريات إلى تلك الأيام الصعبة من أزمة الخليج.. يوم أن كنت أسمعك في ظلام الليل تصلي بتلاوتك المميزة... وأسمعك وأنت تدعو على الظالمين.. أَحنُِّ إلى أن ننطلق معاً بالسيارة في ساعات السحر وتتجه بنا إلى أي مسجد اخترته عشوائياً لنصلي الفجر ثم تلقي فيه درساً قصيراً، وعند العودة تشتري الخبز الساخن للإفطار فأحس بتآلفٍ شديدٍ بين الدين والحياة.
أبتاه: أننا هنا في ديار الغربة عن الدين.. في ديار الفتن والرذائل...إننا هنا في أشد الحاجة إلى العلماء المجتهدين.. فإننا نتخذ رؤوساً جهّالاً.. وكثيراً ما نطرح أسئلةً لا نجد لها جواباً شافياً.
أبتاه: قريباً بإذن الله نلتقي .. فيلتقي العرق بالأصل... وأسألك بصدق أن تدعو لنا بإخلاص أن يثبتنا الله هنا .. وأن يغفر لنا تقصيرنا الشديد.
أخيراً أقول: ها هو شهر رمضان الفضيل بدأنا نخوض غماره.. وكأني أرى حتى في روسيا بأنّ الشياطين تُصَفّد وتُفَتّح أبواب الجنة وتُغَلّقُ أبواب النار... ولكنَّ شياطين الإنس هنا أفسد من شياطين الجن.
والسلام عليكم
 5/رمضان/1412هـ - 8/3/1992م – موسكو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق